ولد بيوتر إيليتش تشايكوفسكي عام 1840 في مدينة فوتكينسك بمنطقة ألاورال الروسية. وكان والده مديرا لمعمل تعدين. واتصف ابواه بميلهما الى الموسيقى. وكانت كثيرا ما تقام حفلات موسيقية في منزلهما، حيث تصدح فيها اغنيات شعبية يقدمها الفلاحون. وكتب بيوتر تشايكوفسكي فيما بعد بمذكراته انه ترعرع في منطقة نائية وتأثر منذ نعومة اظفاره بجمال وجاذبية الموسيقى الشعبية، مما انعكس لاحقا في ابداعه.
انتقل الشاب بيوتر تشايكوفسكي عام 1866 الى موسكو ليقوم بتدريس الموسيقى في كونسرفتوار موسكو، الذي قام بتأسيسه شقيق معلمه نيقولاي روبينشتين، عازف البيانو وقائد الاوركسترا المشهور. لم يحظ بيوتر تشايكوفسكي حينذاك بشهرة، اذ انه ألف بضعة مقطوعات موسيقية متواضعة. لكن صيته ذاع خلال فترة قصيرة من اقامته في موسكو، حيث ظهرت اول سمفونية له اطلق عليها تسمية "احلام الشتاء" التي لم يعكس فيها رحاب وطنه الثلجية التي اطلع عليها وقت الطفولة والصبا، حين كان يقطع مسافات شاسعة مرافقا اباه في رحلاته الكثيرة بروسيا فحسب، بل ومشاعر المرء المسافر وتأملاته التي يواجهها في الطريق الطويل.
دخل بيوتر تشايكوفسكي دوائر نخبة مثقفي موسكو وتعرف بممثلي مسرح "مالي" والكاتب ليف تولستوي الذي اعجبه الجزء الاول من رباعية تشايكوفسكي الموسيقية التي عزفت خلال امسية اقيمت تكريما لتولستوي في كنسرفتوار موسكو. كما اقيمت علاقات صداقة بينه وبين كاتب المسرحيات الشهير ألكسندر اوستروفسكى الذي كتب السيناريو لاوبراه الاولى " القائد العسكري".
بذل بيوتر تشايكوفسكي جهودا لا يستهان بها في تنظيم العمل التربوي، بصفته بروفسورا في الكونسرفتوار . واهداه القدر تلميذا موهوبا وهو سيرغي تانييف الذي كرس له تشايكوفسكي افتتاحيته "فرنشيسكا داريميني". كما ترجم بيوتر تشايكوفسكي الى اللغة الروسية عددا من الكتب المدرسية بقلم منظري الموسيقى الاوروبيين. وشهدت فترة اقامته في موسكو نهضة ابداعية حقيقية للموسيقار. وبدأ يطور الفنون والاجناس الموسيقية المختلفة، وبينها الاوبرات والسيمفونيات والحواريات للآلات الموسيقية المختلفة، مثل البيانو والكمان والاغنيات الرومانسية والباليهات. وكانت كثيرا ما توجه اليه طلبات بتأليف الموسيقى التي تعزف في شتى الفعاليات الاحتفالية. وعلى سبيل المثال فان بيوتر تشايكوفسكي ألف في تلك الفترة مقطوعة موسيقية اطلق عليها "موسكو". ومما يميز ابداعه في تلك المرحلة هو استعانته بالفولكلور. وقد استخدم ألحان الصرب الشعبية في قطعة "المارس السلافي". اما الانغام الاوكرانية فدخلت في "كونشرتو للبيانو والاركسترا رقم 1 ". وشهد باليه "بحيرة البجع" مجموعة من رقصات شعوب العالم المختلفة.
أصبحت السيمفونية الرابعة وأوبرا "يفغيني اونيغين" ذروة الابداع لدى تشايكوفسكي في موسكو. وأولى بيوتر تشايكوفسكي اهمية بالغة لهذين العملين باعتبارهما خطوة هامة في ابداعه الموسيقي.
صادف تأليف السيمفونية الرابعة محاولته الفاشلة للزواج من احدى طالباته والتى اثارت عام 1877 ازمة في نفسه واضطرته الى تقديم الاستقالة من منصب البروفسور في الكونسرفتوار ومغادرة موسكو. واتصفت حياته اللاحقة بكثرة التنقلات والسفر والتجارب في الابداع.
شهدت الاعوام الخمسة عشر الاخيرة لحياة بيوتر تشايكوفسكي ازدهارا رائعا في ابداعه واعترافا بكونه نابغة من نوابغ الموسيقى العالمية. ويبدأ بيوتر تشايكوفسكي في هذه الفترة بقيادة الاوركسترا، كي يمارس لاحقا هذه المهنة بشكل منتظم. وقام في مطلع عام 1888 بجولته الاولى في اوروبا بصفته قائدا للاوركسترا. ثم قام عام 1891 بجولة في امريكا، حيث افتتح مسرح "كارنغي هول" وقدم عروضا لامعة واثبت اعتراف الاوساط الموسيقية العالمية به . ثم زار عام 1893 لندن، حيث حاز على شهادة الدكتوراه الفخرية في جامعة كامبريدج. كما قام بيوتر تشايكوفسكي بتجارب جديدة، وصار يمارس فنونا موسيقية جديدة، من بينها مقطوعات موسيقية للاوركسترا والمواضيع التاريخية "مازيبا" و"عذراء اورليان"، حيث بيّن الموسيقار تاريخ روسيا وفرنسا وأوبراه العبقرية المشهورة"ملكة البسطوني" التي ألفها عام 1890 على اساس قصة لبوشكين.
ألف تشايكوفسكي في السنة الاخيرة لحياته أكثر مؤلفاته مأساوية. وهى السيمفونية السادسة. كان تشايكوفسكي يواجه طوال حياته ازمات نفسية كثيرة ناتجة عن فشله في العلاقات مع النساء. ثمة صفحة واحدة في حياته يمكن وصفها بانها ناجحة، وهي عندما تعرف بالمراسلة على الارملة الغنية الالمانية - الروسية نادجدا فون ميك، التي ربطتها بتشايكوفسكي صلات روحية فقط، والتي اعجبت بموسيقاه وخصصت له منحة مالية سنوية سخية كي يتفرغ لتأليف الموسيقى.
لم يتوقع احد ان يفاجيء الموت تشايكوفسكي عام 1893 حين عاد الى بطرسبورغ، فقدم سيمفونيته السادسة التي حظيت بنجاح فائق ثم اصيب بمرض الكوليرا ومات.
دفن تشايكوفسكي في كاتدرائية ألكسندر نيفسكي في بطرسبورغ. وتم بمبادرة من شقيقه مودست تأسيس متحف تشايكوفسكي في مدينة كلين بضواحي موسكو، والذي يحتفظ فيه ارشيفه الشخصى وامتعته الشخصية والبيانو الذي يعزف عليه أبرز الموسيقيين الروس والاجانب ويملؤون منزله بألحانه السحرية.
أقيمت لتشايكوفسكي تماثيل كثيرة في شتى المدن الروسية. ومن اهمها واجملها تمثال تشايكوفسكي الذي اقيم قبالة مبنى الكونسرفتوار في موسكو. كما تقام في موسكو مسابقات دولية تحمل اسمه ويشارك فيها أبرز العازفين العالميين للبيانو وغيره من الآلات الموسيقية.
لا يعتبر تشايكوفسكى نابغة للموسيقى الروسية فقط فحسب، بل وعملاقا للموسيقى الاوروبية والعالمية. ومن بين روائع تشايكوفسكى يجدر ذكر أوبريتاته "يفغيني اونيغين" عام 1878 و"ملكة البسطوني" عام 1890 ، وباليهاته "بحيرة البجع" و"الحسناء النائمة" عام 1889 و"كسارة البندق" عام 1990 و"حوارية للكمان" عام 1878 وثلاث حواريات للبيانو وست سيمفونيات، اشهرها الثلاث الاخيرات وخاصة السادسة منها "المؤثرة" وافتتاحيات واشهرها "فرنشيسكو داريميني" وافتتاحية "سنة 1812" عام 1880 وافتتاحية "هاملت" عام 1888 ومقطوعة "المارش السلافي" عام 1876 و"النزوة الايطالية" عام 1880 وثلاث رباعيات وترية ومقطوعات موسيقية من موسيقى الحجرة لمختلف الآلات الموسيقية المنفردة وللمجموعة وللغناء المنفرد والجوقات الغنائية. ويعد "كونشرتو للبيانو والاركسترا رقم 1 "من المؤلفات الكلاسيكية في هذا المجال من الموسيقى.
:roseeee: :warde:
https://www.youtube.com/watch?v=At-PwcyM_3c